زيارة الرئيس الأمريكي- شراكة إستراتيجية نحو مستقبل خليجي مزدهر

المؤلف: رامي الخليفة العلي09.15.2025
زيارة الرئيس الأمريكي- شراكة إستراتيجية نحو مستقبل خليجي مزدهر

تأتي زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية في منعطف حاسم يتميز بتحولات إقليمية وعالمية متسارعة، لتؤكد بجلاء المكانة المحورية التي تتبوؤها الرياض في صميم التوازنات الإقليمية، وذلك بصفتها لاعباً أساسياً وركيزة راسخة للاستقرار والازدهار. هذه الزيارة الهامة، التي تشمل أيضاً دولاً شقيقة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، تحمل في طياتها أبعاداً استراتيجية تتجاوز حدود المراسم الرسمية، إذ تتضمن ملفات ذات أهمية قصوى تمس جوهر العلاقات المتينة بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية، وتضع حجر الأساس لمرحلة جديدة من التعاون الشامل الذي لا يقتصر على المصالح الآجلة، بل يرسم معالم الشراكة الاستراتيجية المستقبلية بين الجانبين. المملكة العربية السعودية، التي تقود مشروعاً تنموياً طموحاً يهدف إلى إعادة تشكيل الهيكل الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة، ترى في التعاون الاقتصادي مع واشنطن فرصة استثنائية لتعزيز قدراتها في المجالات المتقدمة والحيوية، لا سيما أن هذه الاتفاقيات المرتقبة ستشمل قطاعات كانت تخضع للقيود في السنوات الماضية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والبرنامج النووي المدني. هذا التطور الملحوظ لا يعكس فقط تحولاً في السياسة الأمريكية بقيادة الرئيس الحالي، بل يجسد أيضاً ثقة متبادلة في الرؤية السعودية الطموحة التي يتبناها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتوجهات الاستراتيجية الجديدة للمملكة. ومما يمنح هذه الشراكة بعداً فريداً أن الإدارة الأمريكية لا تفرض شروطاً سياسية تتعلق بمسائل سيادية أو تخضع لاعتبارات إقليمية معقدة، بل تفسح المجال لتعاون حر ومرن يقوم على المصالح المتبادلة. وفي هذا السياق، لابد من التأكيد على موقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية، حيث تجدد المملكة التأكيد على أن أي تقارب مع إسرائيل لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يستند إلى المبادرة العربية ويضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة. هذا الموقف الصلب يعكس انسجاماً وثيقاً بين التزامات المملكة تجاه قضايا الأمة العربية وإدارتها الواقعية للملفات السياسية، وهو في الوقت نفسه دليل قاطع على أن الرياض لا تنظر إلى السلام كخيار منقوص، بل كمشروع شامل يجب أن يصون الكرامة ويحقق العدالة لجميع الشعوب. الإدارة الأمريكية، بدورها، تبدو أكثر إدراكاً لهذه الرؤية، وقد أدركت أن هناك إرادة إقليمية قوية تمثلها المملكة العربية السعودية تدفع نحو الاستقرار والازدهار، في مقابل إرادة أخرى هدامة تسعى إلى تأجيج الصراعات وإبقاء المنطقة في حالة من الفوضى والاضطراب الدائم، وهي الإرادة التي تمثلها بعض الأطراف التي لا تنسجم بالضرورة مع مصالح شعوب المنطقة، بل تفوت فرصة تاريخية لصناعة السلام الدائم. وفي خضم تنوع الملفات المطروحة على طاولة الحوار، بدءاً من وقف الحرب الدائرة في غزة وصولاً إلى محاولة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، مروراً بتعزيز التعاون الأمني والعسكري والنقاش حول مستقبل الوضع في سوريا، تبرز المملكة العربية السعودية كقوة دافعة رئيسية تعمل على احتواء الأزمات ونزع فتيل التوتر، وتضطلع بأدوار دبلوماسية فعالة، لا سيما في ما يتعلق بدعم الدول الشقيقة والتخفيف من آثار العقوبات على بعض الدول، بما يمكنها من تحمل مسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة من إعادة البناء والتنمية. وفي ضوء هذا المشهد المتشابك، تتجه الأنظار من فلسطين إلى لبنان، ومن سوريا إلى اليمن، صوب الرياض، التي تثبت مجدداً أنها ليست فقط عاصمة القرار الخليجي، بل مركز الثقل الدولي، ومحور التأثير الإيجابي الذي تتطلع إليه الشعوب بحثاً عن الاستقرار والرخاء والمستقبل الأفضل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة